الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.استيلاء صدقة على واسط وهيت. كان السلطان محمد في سنة ست وتسعين وأربعمائة مستوليا على بغداد والخطبة بها وشحنته فيها أبو الغازي بن أرتق وصدقة بن دبيس على طاعته ومظاهرته ثم ظهر في هذه السنة بركيارق على محمد وحاصره بأصفهان فامتنع عليه فأفرج عنه إلى همذان وبعث كمستكين القصيري شحنة إلى بغداد فاستدعى أبو الغازي أخاه سقمان بن أرتق من حصن كيفا يستعين به في مدافعة كمستكين وجاء كمستكين إلى بغداد وخطب بها لبركيارق وخرج أبو الغازي وسقمان إلى دجيل فأقاما به بجرى وجاء صدقة بن مزيد إلى صرصر بعد أن جاءه رسول الخليفة في طاعة أبي الغازي وسقمان فعادا وعاثت عساكرهما في نواحي دجيل وتقدما إلى بغداد وبعث معهما صدقة ابنه دبيسا فخيموا بالرملة وقاتلهم العامة وكثر الهرج وبعث الخليفة إلى صدقة يعظم عليه الأمر فأشار بإخراج كمستكين القيصري من بغداد لتصلح الأحوال فأخرج إلى النهروان في ربيع سنة ست وتسعين وأربعمائة وعاد صدقة إلى الحلة وأعيدت خطبة السلطان محمد ببغداد ولحق القيصري بواسط وخطب بها لمحمد فسار إليه صدقة وأخرجه وجاء أبو الغازي واتبعوا القيصري واستأمن إلى صدقة فأكرمه وأعيدت خطبة السلطان محمد بواسط وبعده لصدقة وأبي الغازي وولى كل واحد منهما ولده على واسط وذهب أبو الغازي إلى بغداد وعاد صدقة إلى الحلة وأرسل ابنه منصورا مع أبا الغازي إلى المستنصر ليستظهر رضاه فرضي عنه ثم استولى صدقة على هيت وكان بركيارق أقطعها لبهاء الدولة توارن بن تهيبة وكان مقيما في جماعة من بني عقيل عند صدقة ثم تشاجرا ومال بنو عقيل إلى صدقة وحج عقب ذلك ورجع فوكل به صدقة وبعث ابنه دبيس ليتسلم هيت فمنعه نائب توران بها وهو محمد بن رافع بن رفاع بن منيعة بن مالك بن المقلد فما أخذ صدقة واسطا سار إلى هيت وبها منصور بن كثير نائبا عن عمه توران فلقي صدقة وحاربه ثم انتقض جماعة من أهل البلد وفتحوا لصدقة فملكها وخلع على منصور وأصحابه وعاد إلى الحلة واستخلف على هيت ابن عمه ثابت بن كامل ثم اصطلح السلطان محمد وبركيارق وسار صدقة في شوال إلى واسط فملكها وأخرج الترك الذين كانوا بها وأحضر مهذب الدولة بن أبي الخير فضمنه البلد لثلاثة أشهر بقيت من السنة بخمسين ألف دينار وعاد إلى الحلة..استيلاء صدقة بن مزيد على البصرة. كانت البصرة منذ سنين في ولاية إسمعيل بن أرسلان جق من السلجوقية أقام فيها عشر سنين وعظم تمكنه للخلافة الواقع بين بركيارق ومحمد وكان يظهر طاعة صدقة وموافقته فلما صفا الأمر لمحمد رغب إليه صدقة في إبقائه فأبقاه وبعث السلطان محمد عاملا على خاصة البصرة فمنعه إسمعيل فأمر السلطان صدقة بأخذ البصرة منه وأظهر منكبرس الخلاف فشغلوا عن البصرة وبعث إليه صدقة بتسليم الشرطة إلى مهذب الدولة بن أبي الخير فمنع من ذلك فسار صدقة إليه وحصن إسمعيل القلاع التي استجدها حوالي البصرة واعتقل وجوه البلد من العباسيين والعلويين والقاضي والمدرس والأعيان وحاصرها صدقة وخرج إسمعيل لقتاله وخالفه طائفة من أصحاب صدقة إلى مكان آخر من البلد فاقتحموها وانهزم إسمعيل إلى قلعة الجزيرة فامتنع بها ونهبت البلد وانحدر المهذب بن أبي الخير في السفن فأخذ القلعة التي كانت لإسمعيل بمطارا ثم استأمن إسمعيل إلى صدقة فأمنه وجاه صدقة فأمن أهل البصرة ورتب عندهم شحنة وعاد إلى الحلة منتصف تسع وتسعين وأربعمائة لستة عشر يوما من مقامه بالبصرة وسار إسمعيل نحو فارس فطرقه المرض في رام هرمز ومات وكان صدقة قد استعمل على البصرة مملوك جده دبيس اسمه اليونشاش ورتب معه مائة وعشرين فارسا فاجتمعت ربيعة والمتقن وقصدوا البصرة فدخلوها بالسيف وأسروا اليونشاش وأقاموا بها شهرا ينهبون ويخربون وبعث صدقة عسكرا فوصل بعد خروجهم من البلد فانتزع السلطان البصرة من صدقة وبعث إليها شحنة وعميدا واستقام أمرها..استيلاء صدقة على تكريت. كانت تكريت لبني معن من بني عقيل وكانت إلى آخر سبع وعشرين وأربعمائة بيد رافع بن الحسين بن معن فلما مات وليها ابن أخيه أبو منعة بن ثعلب بن حماد ووجد بها خمسمائة ألف دينار وتوفي سنة خمس وثلاثين ووليها ابنه أبو غشام إلى سنة أربع وأربعين فوثب عليه أخوه عيسى فحبسه وملك القلعة والأموال فما اجتاز به طغرلبك سنة ثمان وأربعين صالحه على بعض المال فرحل عنه ومات عيسى إثر ذلك وخافت زوجته من عود أخيه أبي غشام إلى الملك فقتله في محبسه وولت على القلعة أبا الغنائم بن المجلبان فسلمها إلى أصحاب طغرلبك وسارت هي إلى الموصل فقتلها ابن أبي غشام بأبيه وأخذ مسلم بن قريش مالها وولى طغرلبك على قلعة تكريت أبا العباس الرازي فمات لستة أشهر فولي عليها المهرباط وهو أبو جعفر محمد بن غشام من بلد الثغر فأقام بها إحدى وعشرين سنة ومات فوليها ابنه سنتين وأخذتها من تركمان خاتون وولت عليها كوهوايين الشحنة ثم مات ملك شاه فملكها قسيم الدولة آقسنقر صاحب حلب فلما قتل صارت للأمير كمستكين الجاندار فولى عليها رجلا يعرف بأبي نصر المصارع ثم عادت إلى كوهوايين إقطاعا ثم أخذها منه محمد الملك الباسلاني فولى عليها لمقا بن هزارشب الديلمي وأقام بها اثنتي عشرة سنة فظلم أهلها وأساء السيرة فلما أجاز به سقمان بن ارتق سنة ست وتسعين وأربعمائة فنهبها وكان كيقباد ينهبها ليلا وسقمان ينهبها نهارا فلما استقر السلطان محمد بعد أخيه بركيارق أقطعها للأمير آقسنقر البرسقي شحنة بغداد فسار إليها وحصرها مدة تزيد على سبعة أشهر حتى ضاق على كيقباد الأمر فراسل صدقة بن مزيد ليسلمها إليه فسار إليها في صفر من هذه السنة وتسلمها منه وانحدر البرسقي ولم يملكها ومات كيقباد بعد نزوله من القلعة بثمانية أيام وكان عمره ستين سنة واستناب صدقة ورام بن أبي قريش بن ورام وكان كيقباد ينسب إلى البطانية.
|